الايثار الحسيني

Admin عدد المساهمات : 1635 تاريخ التسجيل : 09/11/2011

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِ على محمد وال محمد

كانت نهضة الحسين ع وستبقى أنطلاقة عظمى لتحرير الأمة من عوامل الخوف
والخنوع والأستسلام للواقع الفاسد والمزري الذي ينخر كيان الأمة . وقمة
المجد الذي ارتقاه الحسين ع بكل شموخ وأباء بتلك النهضة الفريدة ضد قوى
الظلم والظلام والأنحراف المتمثل بيزيد وطغمته من عتاة المجرمين في
التأريخ الأسلامي وحين نهض الحسين ضد طاغية العصر وأعوانه ظل يحمل في
قلبه الطاهر وروحه النابضة بالأيمان المحمدي تلك القيم الروحية العليا
التي تمثل جوهر الأسلام ونقائه ومن وقف معه من أولئك الرجال الأفذاذ
الذين قالوا له نحن معك سيدي ألى آخر قطرة من دمائنا نذب عن حياض هذا
الدين ونحفظه من أعدائه ولو قطعت أجسادنا أربا أربا لقد قالوا ذلك
لأنهم تربوا في تلك المدرسة النبوية التي تميزت بالسمو وخاطبت الأنسان
لترفعه ألى أعلى مراتب العزة والكرامة والسمو والتضحية والفداء .
وشهادة الأمام الحسين عليه السلام بالمقارنة مع الشهادات الكثيرة التي حفل
بها تأريخ التضحية والفداء في أمتنا تظل الأكثر خلودا لأنها الأكثر عمقا
وأصالة ولأنها مازالت حتى يومنا هذا الأكثر قدرة على خطاب الحاجة
البشرية للحرية والحق والعدالة .
وعندما يطلق الحسين ع نداءه الخالد بوجوه أعداء الأمه ( والله لاأعطيكم بيدي أعطاء الذليل ولا أقر أقرار العبيد ..أني لاأرى الموت ألا سعادة والحياة مع الظالمين ألا برما .
) فأنه أكد للأمة أنه لايضع يده مع أيدي الظالمين من موقع التسليم
والأذعان الذليل ولا ينبغي أن يترك الميدان لقوى الشر والرذيلة والفساد
والأنحطاط لكي يعبثوا بمقدرات الأمة ويغيبوا أرثها ودينها وعقيدتها التي
جاءت لخير البشرية جمعاء . وثورة كثورة الحسين العملاقة الخالدة لابد
أن يقف معها بكل كيانه وحرارة أيمانه وطهره كل أنسان شرب من معين الأسلام
المحمدي الأصيل فكيف بذلك البطل الذي تربى في مدرسة جده النبي الأعظم
محمد ص ونهل من مبادئ أبيه علي بن أبي طالب ع مكارم الأخلاق والتقوى
والذود عن الحق في أشد الظروف حلكة . أنه قمر بني هاشم العباس بن أمام
المتقين وسيد الغر المحجلين وبطل المعارك الفاصلة في الأسلام علي بن أبي
طالب ع الذي تربى على مبادئ القرآن وقال عنه رسول الله ص (أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب .
) هذا هو العباس بن علي بن أبي طالب ع صاحب الراية الحسينية في معركة
الطف حيث جسد الآية الكريمة تجسيدا حيا على ثرى كربلاء بسم الله الرحمن
الرحيم : (من المؤمنين رجال صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا
)23- الأحزاب ولا عجب من ذلك الموقف العظيم الذي وقفه العباس أذا
عرفنا أن أخويه الحسن والحسين ع وأخته زينب الكبرى بطلة كربلاء فكان
مثالا يحتذى في الأيمان بثورة الحسين ومبادئها فضرب أروع الأمثلة في
التضحية والأيثار والوفاء ووقف مساندا لأخيه الحسين ع في ثورته العظيمة
حتى آخر رمق من حياته .
نشأ العباس فقيها عالما وتنقل عنه الروايات أنه كان وسيما جميلا يركب
الفرس المطهم ورجلاه تخطان في الأرض وكان أثر السجود باديا بين عينيه من
كثرة العباده وقد ورث الشجاعة من أبيه علي بن أبي طالب ع الذي جندل أئمة
الكفر أمثال عمرو بن عبد ود العامري ومرحب بطل اليهود وغيرهم . فكان
العباس ع كأبيه ليث في معركة الطف يصول على الأعداء صولات ترتعد لها
فرائص جيش عمر بن سعد فيصيدهم ويجندلهم . وعلاوة على شجاعته ع فقد تجسدت
في نفسه الطاهرة أعلى معاني الأيثار والرحمة والرأفة على المحرومين
والمضطهدين وقد تجلت تلك الظاهرة بأروع صورها في كربلاء حين احتل جيش عمر
بن سعد حوض الفرات لحرمان الحسين ع وأصحابه وأهل بيته من الماء حتى
يموتوا عطشا أو يستسلموا لهم . وقد تجسد ذلك العطف الأنساني المتفرد وهو
أعلى مراحل الأيثار حين وصل ألى المشرعه وغرف بيديه الطاهرتين الماء
ولكنه لم يشرب منه رغم الظمأ الشديد الذي كان يعاني منه حيث تذكر في تلك
اللحظة عطش أخيه الحسين عليه السلام وأهل بيته وأطفاله فرمى الماء من
يديه وتلك درجة من التضحية والفداء والأيثار قل نظيرها في تأريخ البشريه
وقد كشف الأمام جعفر الصادق عليه السلام عن مدى أيمان العباس عليه السلام
وتضحياته الكبرى في سبيل الأسلام بقوله : (كان عمنا العباس بن علي نافذ البصيرة صلب الأيمان جاهد مع أبي عبد الله الحسين ع وأبلى بلاء حسنا ومضى شهيدا . )كما يشير ألى ذلك قوله ع في حقه أثناء الوقوف على قبره حيث قال : (أشهد أنك لن تهن ولن تكل وأشهد أنك مضيت على بصيرة من دينك مقتديا بالصالحين ومتبعا النبيين .
) وفي الوفاء لايحتاج من يدرس سيرة أبي الفضل العباس عليه السلام لكثير
من الأدلة كي يثبت وفاءه كصفة ذاتية من صفاته المثلى ع يقول الأمام جعفر
الصادق في شهادة أخرى من شهاداته بحق العباس عليه السلام : (أشهد لك بالتسليم والتصديق والوفاء والنصيحة لخلف النبي المرسل والسبط المنتجب والدليل العام والوصي المبلغ والمظلوم المهتضم )
لقد كان أيثار العباس عليه السلام هو الأيثار بالنفس والأيثار على النفس
والأيثار بالنفس وهذا واضح في تقديم نفسه الزكية قربانا للذود عن أخيه
الحسين ع والأيثار على النفس الذي تجسد في موقفه البطولي الخالد حين وقف
على المشرعة ليجلب الماء للنساء والأطفال فاغترف الماء وأحس ببرودته
فألقاه من يده حين تذكر عطش الحسين ع وعياله فأخذ ينشد :
يانفس من بعد الحسين هوني-وبعدها لاكنت أو تكوني
هذا حسين وارد المنون- وتشربين بارد المعين ؟
تاالله ماهذي فعال دين - ولا فعال صادق اليقين
ياله من أيثار خالد كتبه التأريخ الجهادي للأمام العباس بحروف من نور
وكان في ذلك اليوم الصعب خير سند لأخيه الحسين ع بعد أن استشهد معظم
أصحابه . تقدم أبو الفضل العباس ع طالبا الأذن من الحسين بالخروج ألى
المعركه بعد أن ضاق صدره وهو يرى الشهداء على الأرض وقد ضرجت دماءهم أرض
كربلاء فذهب كما ذكرنا ألى المشرعة ليملأ القربه ولم يشرب قطرة واحدة كما
ذكرت وجاء بها متجها ألى مخيم الحسين ع لكن الأعداء تربصوا له وقطعوا
عليه الطريق فأخذ يقاتلهم قتال الأبطال الصناديد رغم عطشه الشديد فقطعوا
يمينه فأخذ السيف بشماله وكمنوا له خلف نخلة فقطعوا يده اليسرى فضم اللواء
ألى صدره وما أشبه حالته الجهادية تلك بحالة عمه جعفر الطيار( ذو الجناحين
) حيث كرمه الله بجناحين في الجنه بعد أن استشهد في معركة مؤته حين
قطع الأعداء يديه ثم تكاثرت السهام كالمطر ومزقوا القربة التي كان
يحملها ليسقي عطاشى كربلاء فأريق ماؤها وأصابت السهام كل مكان من جسده
الشريف فحينذاك نادى أخاه الحسين قائلا : (عليك مني السلام ياأبا عبد الله )فأسرع أليه الأمام الحسين عليه السلام وقاتل القوم وأبعدهم عنه ونزل يمشي أليه وهو محني الظهر ويقول : (الآن انكسر ظهري وقلت حيلتي وشمت بي عدوي
) لم يقل الأمام الحسين عليه السلام تلك الكلمات ألا لعظم منزلة أبي
الفضل العباس ع في قلب أخيه الحسين ع وثقله الكبير في معركة الحق مع
الباطل والنور مع الظلام .
رجع الأمام الحسين عليه السلام ألى المخيم حزينا مهموما ولما رأت سكينة
والدها في تلك الحالة قالت له أين عمي العباس ياأبي أراه أبطأ بالماء
فأجابها ع ( أن عمك قتله الأعداء ) فسمعته أخته الحوراء زينب ع فنادت بأعلى صوتها ( واأخاه واعباساه واضيعتاه بعدك ) وبكت النسوة وبكى الأمام الحسين عليه السلام معهن وهو ينادي واضيعتاه بعدك ياأبا الفضل .
واليوم وبعد مرور حوالي ألف وأربعمائة سنة على تلك المعركة الخالدة مازال
التأريخ يحفظ التضحيات العظيمة لأبي الفضل العباس ع ويزوره المؤمنون من
كل أنحاء العالم ويسألون الله عز وجل بحق العباس باب الحوائج أن يقضي
حاجاتهم بأذن الله تعالى وما أحوجنا اليوم وسط هذا الظلام والزيف والصراع
على المغانم والمكاسب الشخصية الذي يكاد يأخذ بخناق أمتنا الأسلامية .
ماأحوجنا اليوم ألى رجال مضحين متفانين من أجل القيم العليا لكي نقضي
على ضعف أنفسنا . لقد تحققت مقولة الأمام الحسين عليه السلام بحق أولئك
الأبطال الصناديد من أهل بيته وأصحابه وعلى رأسهم العباس بن علي بن أبي
طالب ع حين قال : (صبرا يابني الكرام فما الموت ألا قنطرة تعبر بكم من
البؤس والعزاء ألى الجنان الواسعة والنعيم الدائمة فأيكم يكره أن ينتقل من
سجن ألى قصر وما هو لأعدائكم ألا كمن ينتقل ألى سجن وعذاب . أن أبي
حدثني عن رسول الله ص ( أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء ألى جنانهم وجسر هؤلاء ألى نيرانهم
) ماكذبت ولا كذبت. لقد انتصر الحسين وانتصرت ثورته وسيخلده التأريخ
وتلهج بذكره الأجيال مابقي الليل والنهار أما قتلة آل بيت الرسول
الأعظم فذهبوا ألى الجحيم خالدين فيها أبدا .
السلام على الحسين وعلى أبناء الحسين ع وعلى أصحاب الحسين (رض). السلام على أبي الفضل العباس ع ياليتنا كنا معكم سادتي فنفوز فوزا عظيما.

نسألكم الدعاء